لدي الحيوانات الليلية نظام تكيُف جسدي وحسي، مما يسمح لها بالتنقُل والنجاة في الظلام كمفترسين وفرائس.
فكرة تَجوُل بشر في الغابة حالكَة الظُلمَة والقدرة علي تأمين وجبة مليئة بالغذاء تبدو مضحِكَة، حيثُ أنَ أغلبُنا بالكاد يقدِر علي الوصول إلي الحمام في مُنتَصَف الليل بدون تحسس الجدران . ومعَ ذَلِك، لا تقدر الكثير من الحيوانات علي النجاة فقَط، ولكِن تنمو أيضَاً، كنتيجَة لعاداتِهِم الليلية، إذاً كيفَ يَقومون بذَلِك؟ كيفَ تصطاد الجيوانات الليلية فرائسها؟
* مميزات الحياة الليلية.
في البداية هذه المقاله عن المخلوقات التي يكون نشاطُها الأساسي في الليل، وبدلاً من ذلِك ينامون أثناء النهار. أغلب البَشَر، وأغلبية الحيوانات، يكونون نهاريين، والذي يعني أنهُم ينامون أثناء الليل ويكونون نشيطيين أثناء النهار.
يُعتَقَد أنَ خلال مرحلَة تَطور التاريخ قد تَطوَر السلوك الليلي ليُحقق توازُن النظام البيئي، ولإتاحَة وجود مَجموعَة أكبَر مِن الأنواع بواسِطَة إنقاص التنافُس أثناء ساعات النهار. بكل وضوح، هذا لَم يَكُن إختيار من الحيوانات الليليه، بَل تَم تَحقيقُه مِن خِلال التكيفات التي تطوَرَت خلال آلاف الأجيال. تكيُفات الحيوانات الليلية، والتي سيَتِم تَفسيرُها بتفصيل أكبر في الأسفل، ستَسمَح بإصطياد أكثرَ فعاليَة أثناء الليل، بمُجرَد بداية تلاشي الضوء.
سيكون لديَ أولئكَ الأفراد بمِثل هذه التغيُرات والقدرات القُدرة علي إيجاد الطعام عندما تكون الحيوانات المُفتَرِسَة الأخريَ قد ذهبت إلي النوم ، الإصطياد الناجِح سيؤدي إلي فُرصَة أكبَر في النجاة وإحتماليَة أعظَم في تَمرير جيناتُه وتكيُفاتُه المُمَيَزَة.
مُميزات الحياة الليلية لتِلكَ الأنواع مُهِمَة سواء فرائس أو مفترسين ، إنَ وقت الليل هو وقت مُمتاز للإصطياد لأنَ العديد مِنَ القوارِض تكون ليلية، وللحيوانات المُفتَرِسَة مُتَوَسِطَة الحجم، فإنَ نَقص المُنافسَة علي الطعام مُفيدَ للغاية.
للفرائس، فإنَ العثور عليهِم سيكون أكثَر صعوبة في الليل، بالمُقارنَة بالعديد منَ التهديدات الصباحية، وأيضاً هُناكَ القليل مِنَ الحيوانات المُفتَرِسَة في الليل ، فإنَ وقت الليل أكثرَ برودة ، لأن في بَعض أجزاء العالَم القُدرة علي إمتِلاك ساعات نشاط في الليل ستتطلَب كمية من الطاقة أقل من الكمية المُتتطلبة لمُطاردَة الفريسة في يوم حار أثناء الظهيرة!
* التكيُفات الليلية.
إذا سبقَ لَك العبَث في الغابة أثناء الليل، تائه تماماً وأعمي حرفياً، فما هي "القُدرات الخارِقَة" التي تَرغَب في إمتلاكَها؟ حسناً، بإعتِبار أنَ المَخلوقات الليليه تتفاعَل عادَةً معَ البيئة مِن خِلال الأعضاء الحسيِة، فرُبما قد تَقتَرِح القُدرة علي الرؤية في الظلام وسماع الأشياء مِن بعيد والشَم بتركيز وتحديد أكبر.
التكيُفات اللازِمَة لآلاف الأنواع الليلية حولَ العالَم غالباً تكون متشابهه ، مثل الشعور بالشَم واللمس والرؤية والسمع بقوه أكثر.
1. الرؤية.
في حين أنَ البشَر إبتكَروا عدد مِنَ التكنولوجيا للرؤية في الظلام، مِثلَ النظارات الليلية، فإنَ الحيوانات الليلية تمتَلِك وسائلها الخاصَة.
بدايةً، عيون الحيوانات الليلية تَميل إلي أن تَكون كبيرة إلي حَدٍ كبير و لديها حدقات عين قادِرة علي التمَدُد كثيراً، مما يسمَح لها بإمتِلاك "الرؤية الليلية".
تَخيَل أنَ قِطة في عُرفَة مُظلِمة ، ستلاحظ أن أعيُنَهُم ستكون سوداء تماماً ، أو عيون البومة الضخمَة والثابِتَة، والتي تُغَطي 3% مِن وَزن جسَدَهُم—أكثر 1000 مرة مِن نِسبَة وزن عيون البشر وأجسادهم!
تِلكَ العيون الضخمّة تَسمَح بتَجميع ضوء أكثَر، خصوصاً لأنَ الحيوانات الليلية تَميل إلي إمتِلاك قُضبان (رؤية سوداء وبيضاء) أكثَر مِن مخاريط (رؤية الألوان). وبهذا تستطيع الحيوانات الليلية التنقُل في الليل علي حِساب رؤيَة مُختَلَف الألوان.
تسمًح التكيُفات الأُخريَ في شكل ووظيفَة العين للحيوانات بإمتلاك إدراك عمق دقيق لا يُصدَق، بالإضافة إلي رؤية بعيدة المدي في بَعض الحالات. أخيراً، الكثير مِن الحيوانات الليلية تمتلِك طبقة مُتخصِصَة من الخلايا الإنعكاسية (البساط الشفاف) في شبكة العين التي تَرُد الضوء إلي قضبان الخلايا، لتُنشيء حلقة ردود أفعال والتي تضيء العالم المُظلِم أكثَر لتِلكَ الحيوانات الليلية!
2. الشَم.
إنَ حاسة الشَم العالية ليسَت وسيلة التكيُف الليلي الأكثر شيوعَاً، ولكن مخلوقات مِثلَ الثعالِب والراكون والكايوتي والجُرذان جميعُها تَمتَلِك أعضاء شُميَة وتعتمد عليها، ولذلِك هي تَمتَلِك خلايا إستِقبال كثيرة.
تِلكَ الأنوف الضخمة تستطيع العثور علي الروائح البعيده والمعقدة ، بنفس الطريقة التي يتمَكن فيها البشَر مِن العثور علي الفروق الدقيقة في البُهارات المختَلِفَة في الأطباق ولكن بواسِطَة حاسَة التذوق. بَعض الحشرات الليلية ، لديها القدرة علي العثور علي الروائح المختلِفَة في الهواء علي بُعد أميال. إذا لَم تَكُن رؤيَة الحيوان غير مُتَطوِرَة، فإنَ حاسَة الشّم المُتطورة تستطيع أن تَكون أداة خارِقة ثمينة في وقت الليل!
3. السمع.
هناك مقولَة أنَ بعض الغُرَف تكون "هادئة جداً لدرجَة أنكَ تستطيع سماع دبوس يقع"، لكن في الواقِع، قدرات البشر السمعية لاشئ مقارنةً بالحيوانات الليلية. البشر يقدِرون علي سماع نطاق ترددات من 2 إلي 5 كيلوهيرتز، والذي يكون منخفِض لحد الشفقة، حتي مقارنَةً بقططنا وكلابنا الأليفةأو حتي الجرذان ، علي سبيل المثال ، أن الحيوانات تستطيع سماع لأكثر مِن 200 كيلوهيرتز، مما يعني أنهم يستطيعون ملاحظَة حركة الحشرات من أمتار بعيدة!
السبب الأساسي لحاسَة السمع الخارِقة عندَ بعض الحيوانات، مثل الجرذان، هو شَكل آذانِهِم، والتي تكون غالِباً كبيرة مقارنة بحجم أجسادهم، ومقعرَة لإدراك الإهتزازات في الهواء بصورة أفضل.
بالإضافة، أنَ مُعظَم الحيوانات لديها سمع غير متماثل ، مما يعني أنَ آذانهِم تستطيع السمع بشكل مُستَقِل عن بَعضهِم البعض، مما يسمح لهُم بتحديد موقع وتعريف الأشياء بالصوت فقط. مما يعني أنه يسمح للحيوانات بصورة واضحة مِن أينَ وعلي أي مَديَ صدرَ صوت.
المخلوقات مثل البوم ربما تمتلك بناء أذني مشابِه لنا، ولكنهم يستطيعون السماع "أسرع" وأكثر "دقة"، بمعني آخر، البومة تستطيع بوضوح معرفة صوت فرع يسقط من مخلوق يتحرك في الشجيرات، في حين أنَ البشر سيسمعون صوت غير مألوف.
4. اللمس.
عدد قليل من الحيوانات الليلية، خصوصاً هؤلاء الذين يبقون تحت الأرض، سيعتمدون أيضاً علي حاسة لمس عاليَة للتنقُل وإيجاد فرائسهم. حيوان الخُلد ذو الأنف غلي شكل نجمة مثال ممتاز، بما أنَ هذا المخلوق لديه أنف ب22 نتوء سمين والتي حرفياً تشعُر بالعالم حولها عندما يحفرون في التربة.
هذا العضو شديد الحساسية يستطيع تحديد الحركات الطفيفة للحشرات والديدان في جُحر الخلد وبسرعة تلتقطها مِن الظلام من خلال حاسة اللمس وحدها! قوارض أخري صغيرة لديها تكيُفات حساسة مشابهة، مثل فأر الخلد العاري والجرذان، والتي تكون مغطاة بشعيرات حساسة للحركة التي تُساعِد في التنقل تحت الأرض في الظلام.
5. تحديد الموقع بالصدي.
بالرغم أن تحديد الموقع بالصدي يتم وصفه غالباً كشكل لل"رؤيه"، إلا أنهُ في الواقع تكيُف مختلف جداً. الحيوانات مثل الدلافين تكون أسطورية لإستخدامهُم لتلك المهارة التي يحسد عليها. تحديد الموقع بالصدي يحدث عندما يصدر حيوان ترددات عالية من موجات الصوت التي تنبثِق إلي البيئة.
تلك الموجة الصوتية ترتد بسرعة بعدها عائدةً من الأشياء في المحيط حولها، لتعطي الحيوان الليلي "صورة" عن المحيط وممتلكاتُه. أشهر الحيوانات الليلية التي تعتمد علي تحديد الموقع بالصدي هي الحفافيش، بالرغم أنَ بعض الطيور تمتلك أيضاً هذه القدرة.
عندما يرتد شعاع من أشعة الصوت عن الفريسة، فإنَ الخفاش يستطيع بسرعة تحديد أينَ يكون، وحساب المسار وبعدها يلتقط وجبته . أعينهُم لا تزودهُم برؤية ملونة حادة كما تفعل أعين البشر، لكنهم صيادين خُبراء ومحلقين بارعين، مما يُظهر مدي فعالية وقوة تحديد الصوت بالمدي.
6. التلألؤ البيولوجي.
ربما أقل تكيُفات الحيوانات الليلية شيوعاً، أو علي الأقل الأكثر تجاهُلاً ، التلألؤ البيولوجي يوجد في الكثير من المخلوقات التي تعيش في الظلام في أعماق المحيط. مكوِن كيميائي خاص يوجد في أجسادهم يقوم بإنتاج ضوء مُشع، يتراوح من الأزرق المُشِع إلي الأحمر المشع، بالإعتِماد علي التركيز في إنتاج اللوسيفرين (حامل الضوء) و إنزيم اللوسيفيراس في الحيوانات.
هذا الضوء يُمكن إستخدامُه في الإصطياد (بإجذاب الفرائس)، ودفاع المناورة (إرباك المفترسين)، وللتواصُل بين أعضائهم من نفس النوع وللتحذير عندما يكون الخطر قريباً منهم. سواء صيادين أو مفترسين، فإن التلألؤ البيولوجي يمكِن أن يسهل النجاة في أعماق العالم المظلمة!
* كلمة أخيرة.
ربما يتصرف البشر بأنهم غزو الظلام بالكهرباء والتكنولوجيا، لكن عالم الطبيعة قد أصبح سيد الليل منذ وقتٍ طويل. الحيوانات الليلية رائعة عندما نتحدث عن التكيُفات التي تسمح لها بالإزدهار والعثور علي موقعهم في المنافسة البيئية الليليه ، من الأدغال إلي أعماق المحيطات.
إرسال تعليق